مشهورون منسيون ..

مشهورون منسيون .. رجال في ضمير مصر

أ.د. زكريا سليمان بيومي
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية التربية جامعة المنصورة

استعرت هذا العنوان من كتاب للزعيم الوطني المناضل الأستاذ فتحي رضوان حيث وجدته ينطبق علي مناضل آخر من أبناء مصر شاءت خصومته مع المشاهير أن يبقي في دوائر النسيان فلا يعرفه أحد ولا يذكره أحد وهو الدكتور محمد صبري منصور .
أعرف أن الغالبية العظمي من المصريين لا يعرفون عن هذا المناضل شيئا حتى المثقفين أو حتى المؤرخين منهم . لكن دور هذا الرجل في خدمة بلاده قد تزيد علي كثير ممن فرضوا علي ذاكرتنا القومية وهو ما يفرض ضرورة التعريف به وبدوره ودور أمثاله إلي جانب محاولة تنقية الذاكرة ممن أريد لها زيفاٌ أن تحتويه .
هذا الرجل من أبناء محافظة الدقهلية انضم وهو شاب صغير لحزب مصطفي كامل الوطني في مطلع القرن العشرين ، اهتز كغيره لنداء الوطن بالأسلوب الرومانسي الذي اتبعه مصطفي كامل حيث تغني بمصر ، ورأي هذا الشاب وأقرانه أن السعي لإجلاء المحتل هو السبيل الأمثل والهم الأول .
وحين قامت الحرب العالمية الأولي تهيأ جمع من هذا الشباب لمناصرة حملة تركيا بزعامة جمال باشا لضرب الإنجليز في قناة السويس ، ولم يكن هؤلاء الشباب يخشون دخول الترك بدلا من الإنجليز لكون الترك يحتفظون بسيادة إسمية ولهم وجود شرعي وإخوة في الدين .
وبعد فشل الحملة التركية قبض الإنجليز علي هؤلاء الشباب وأودعوهم سجون الاحتلال مع الألمان في جزر البحر المتوسط . وفي السجن تعلم هذا الشاب اللغة الألمانية ثم تبع الألمان إلي بلادهم بعد الحرب . وهناك تزوج من ألمانية وحصل علي الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية . وعاد إلي مصر ليعمل في السلك الدبلوماسي حتى قيام ثورة 1952 م .
وفي الوزارة الأولي التي تولاها جمال عبد الناصر طلب من الدكتور محمد صبري منصور أن يتولى وزارة التموين ، وقبل الرجل الدور لكنه سرعان ما اصطدم بجمال عبد الناصر حيث لم يكن يحب أن يكون تابعا أو مجرد واجهة ، فأقاله جمال عبد الناصر ليحل محله أحد العسكريين . ولم يقف الأمر عند ذلك بل تعداه إلي حد نفي الرجل خارج البلاد بحجة أن زوجته ألمانية في حين أنه كان يعرف ذلك حين عرض عليه منصب الوزارة . فلم يكن أمام الرجل إلا الرحيل إلي ألمانيا موطن زوجته وظل بها دون أي دخل من مصر حتى وفاة جمال عبد الناصر .
واستدعاه الرئيس السادات ليعود إلي مصر بعد أن أصبح كهلا هو وزوجته وابنه الوحيد حتى ينهي حياته في مصر . وحين سأله البعض عن رحلته هذه ورأيه في الحقبة الناصرية أجاب بمقولة سمعتها منه شخصيا حين التقيت به في 1971 م في بيته 1 شارع كفر الدوار بمصر الجديدة حين كنت أعد لدرجة الماجستير عن الحزب الوطني ، فوصف الرجل جمال عبد الناصر بأنه كان زعيما لا يريد أن يسمع إلا صوت نفسه وكان لا يقرب منه إلا من يتبعه وكان مولعا بالزعامة حتى أنه جعل من كثير من أبناء شعبه كومة من التراب وقف فوقها ليطل علي العالم الخارجي .
وبغض النظر عن رأيه إلا أن حياة الرجل كانت نموذجا للكفاح والنضال وحب الوطن ، رحم الله الدكتور محمد صبري منصور جزاء ما قدم لمصر وللحرية وقيمها التي افتقدها كثيرون فنالوا بفقدها شهرة حرم منها مستحقوها