ترتيب الأنبيـاء في السـموات ليـلــة المعـراج
بقلم: السيد سلامة غنمي
مدير معهد إعداد الدعاة بالاسماعيلية.
لماذا كان سيدنا آدم في السماء الأولي؟ ولماذا كان سيدنا عيسي ويحيي في السماء الثانية؟ ولماذا كان سيدنا يوسف في السماء الثالثة؟ وهكذا... الي السماء السابعة؟ ثم لماذا كان هؤلاء بأعينهم وليس غيرهم! مثل سيدنا نوح وهود وصالح وشعيب وإسماعيل وداود وسليمان و... و...؟؟
إننا امام عدة معجزات ودروس ومعان جمعتها ليلة الإسراء برسول الله صلي الله عليه وسلم يعجز عن الإحاطة بها الانس والجن أفرادا ومجتمعين فلكل لون من ألوان العلوم نصيب غير منقوص من هذه الليلة المباركة سواء في ذلك علماء الفقه الشرعي أو فقه السيرة أو اللغة والاجتماع أو الأخلاق أو الطبيعة أو الفلك أو علماء الإعجاز العلمي أو الفضاء أو علماء مقارنة الأديان. وسوف افرد ـ قدر الاستطاعة ـ لكل واحد منهم بمشيئة الله بعضا من تلك النفحات واللمحات.
فلقد خص الله تباركت حكمته وجلت قدرته من ذكر من الأنبياء بلقاء رسول الله صلي الله عليه وسلم علي ما تعارف الناس عليه إذا ما استقبلوا الغائب المنتظر مبتدرين للقائه بأكابر القوم واجلهم قدرا فهم يغنون عما سواهم ولا يغني غيرهم عنهم, ولابد غالبا من ان يسبق بعضهم بعضا, ويصادف بعضهم اللقاء ولا يصادفه الآخرون, أو أن ذلك تنبيه علي الحالات الخاصة بهؤلاء الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وتمثيل لما سيقع للنبي صلي الله عليه وسلم مما وقع لهم صلوات الله وسلامه عليهم مما قصه الله تعالي عنهم في القرآن. والنبي صلي الله عليه وسلم كان يحب الفأل الحسن ويستدل علي حسن العاقبة وبالضد من ذلك. والفأل في اليقظة نظير الرؤيا في المنام. كما ان أهل التعبير يقولون من رأي نبيا من الأنبياء بعينه في المنام فإن رؤياه تؤذن بما يشبه من حال ذلك النبي من شدة أو رخاء أو غير ذلك من الأمور التي أخبر بها عن الانبياء في القرآن والحديث. وكل ذلك استئناس بعلاقة كل صاحب سماء بما وقع لرسول الله في سنوات الهجرة السبع الاول.
علاقة صاحب السماء الأولي آدم بالسنة الأولي من هجرة محمد ووجه مناسبة المعراج الاول إلي السماء الأولي لما اشتملت عليه السنة الأولي من الهجرة. الحكمة في كون ادم في السماء الدنيا لأنه أول الأنبياء وأول الآباء فهو أصل فكان الأول في الأولي, ولأجل تأنيس النبوة بالأبوة. فآدم وقع التنبيه بما وقع له من الخروج والهجرة من الجنة إلي الأرض بما سيقع للنبي صلي الله عليه وسلم من الهجرة من مكة المكرمة إلي المدينة المنورة, والجامع بينهما ما حصل لكل منهما من المشقة وكراهية فراق ما لقيه في الوطن, ثم كان لكل منهما ان يرجع إلي وطنه الذي خرج منه. كما ان في ذلك تنبيها علي أنه يقوم مقامه في مبدأ الهجرة لأن مقام آدم التهيئة والنشأة وعمارة الدنيا بأولاده. وكذا كان مقام المصطفي بالمدينة أول سنة من الهجرة مقام بناء دولة الإسلام وتربية أهله واتخاذ الأنصار لعمارة الارض كلها بهذا الدين الذي أظهره الله علي الدين كله, وزوي الأرض له صلي الله عليه وسلم حتي أراه مشارقها ومغاربها, فقال( وليبلغن ملك أمتي ما زوي لي منها). ووقع ذلك بالفعل لأمته حتي كان هشام بن عبد الملك يقول للسحابة
أمطري حيث شئت فسيصل الي خراجك).
علاقة صاحبي السماء الثانية بالسنة الثانية من هجرة محمد ثم رأي في السماء الثانية عيسي ويحيي وهما الممتحنان باليهود. أما عيسي فكذبته اليهود وأذته وهموا بقتله فرفعه الله تعالي, وأما يحيي فقتلوه بالفعل وهو بين يدي الله راكعا وساجدا, ورسول الله صلي الله عليه وسلم بعد انتقاله الي المدينة صار الي حالة ثانية من الامتحان. وكانت محنته فيها أيضا باليهود فلقد آذوه وظاهروا عليه وهموا بإلقاء الصخرة عليه ليقتلوه فنجاه الله تعالي كما نجي عيسي. ولأنه أقرب الانبياء عهدا بسيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم. وكما كانت حالة عيسي ومقامه معالجة بني إسرائيل والصبر علي معاداة اليهود وحيلهم ومكرهم, وطلب عيسي الانتصار عليهم بقوله
من أنصاري إلي الله) أي مع الله؟( قال الحواريون نحن أنصار الله) فهكذا كانت حالة نبينا صلي الله عليه وسلم في السنة الثانية من الهجرة, ففيها المعاهدة بين جميع طوائف وأديان وقبائل أهل المدينة ومن حولها. كما طلب صلي الله عليه وسلم من الانصار الخروج إلي بدر العظمي فأجابوا ونصروا, فلقاؤه لعيسي في السماء الثانية تنبيه علي أنه سيلقي مثل حاله ومقامه في السنة الثانية من الهجرة.
علاقة صاحب السماء الثالثة يوسف بالسنة الثالثة من هجرة محمد
واما لقاؤه ليوسف عليه السلام في السماء الثالثة فإنه يؤذن بحالة ثالثة تشبه حال يوسف بما جري له مع اخوته الذين اخرجوه من بين أظهرهم ثم ظفر بهم فصفح عنهم وقال
لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) وكذلك نبينا عليه الصلاة والسلام أخرجه قومه ثم لما ظفر بهم في عام الفتح عفا عنهم وقال: أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم.
كما ان أمة محمد صلي الله عليه وسلم يدخلون الجنة علي صورة يوسف, كما ان مناسبة لقائه ليسوف في السماء الثالثة ان السنة الثالثة من سني الهجرة اتفقت فيها غزوة أحد وكانت علي المسلمين لم يصابوا بنازلة قبلها ولا بعدها مثلها, فإنها كانت وقعة أسف وحزن. وأهل التعبير يقولون: من رأي أحدا اسمه يوسف أذن ذلك من حيث الاشتقاق ومن حيث قصد يوسف عليه السلام بأسف يناله. والآخرة خير من الأولي. ومما اتفق بين يوسف ومحمد ما حدث في غزوة أحد من شيوع قتل محمد فناسب ما حصل للمسلمين من الأسف علي فقد نبيهم كما حصل ليعقوب من الأسف علي يوسف لاعتقاده انه فقد الي أن وجد ريحه بعد تطاول الامد. ومن المناسبة أيضا بين القصتين أن يوسف كيد وألقي في غيابة الجب حتي أنقذه الله تعالي علي يد من شاء. وكبت الحجارة علي جبهة رسول الله صلي الله عليه وسلم من قريش حتي سقط لجنبه في حفرة كان أبو عامر الفاسق قد حفرها مكيدة للمسلمين, فأخذ علي كرم الله وجهه بيد رسول الله صلي الله عليه وسلم واحتضنه هو وطلحة حتي قام رسول الله صلي الله عليه وسلم.
علاقة صاحب السماء الرابعة ادريس بالسنة الرابعة من هجرة محمد
ثم كان لقاؤه مع سيدنا إدريس عليه السلام في السماء الرابعة وهو المكان الذي سماه الله( مكانا عليا) وادريس أول من أتاه الله الخط بالقلم فكان ذلك مؤذنا بحال رابعة وهي علو شأن محمد صلي الله عليه وسلم حيث كتب الي ملوك العالم آنذاك يدعوهم إلي طاعة الله وعبادته سبحانه وكتب عنه بالقلم كتبته من الصحابة وكانوا40 صحابيا الي جميع ملوك الأرض فمنهم من اتبعه علي دينه كالنجاشي وملك عمان, ومنهم من هادنه واهدي اليه واتحفه كهرقل والمقوقس, ومنهم من عصي الله فأظهره الله عليه, فهذا مقام علي ومنصب عظيم وخط بالقلم كنحو ما أوتي ادريس عليه السلام صاحب المكان والمقام العلي